الإسلام إطار واضح يمكن تطبيقه في كل عصر، ولقد تمكن المسلمون الأوائل من تطبيقه في العصور الأولى للإسلام مع بساطة المجتمعات وقلة وظائف الدولة، وتمكن المسلمون من تطبيقه مع تعقد المجتمعات وزيادة وظائف الدولة، وفي ظل هذا الإطار الواضح، كفل الإسلام حقوق المسلم السياسية التي يمكن أن نجملها في أربعة حقوق رئيسة:
أولًا: اختيار الحاكم والرضا به، وهو ما كان يعبر عنه في التراث الفقهي بـ«البيعة»، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح:١٠]، كما ذكر الله أمر النساء في البيعة فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الممتحنة:١٢]، فأثبت القرآن الكريم حق المسلم في مبايعة الحاكم، وأنه في هذه الحالة يبايع الله عز وجل لتأكيد أهمية هذا الحق وقدسيته، كما أنه ساوى بين الرجل والمرأة في اختيار الحاكم دون تمييز بينهما.
ثانيًا: المشاركة العامة في القضايا التي تخص عموم الأمة، وهو مبدأ الشورى، والشورى من المسائل التنظيمية الأساسية في المجتمع فلابد من اجتماع كلمة أفراد الجماعة الواحدة للوصول إلى رأي واحد حتى يتم تنفيذه، ومن هنا ظهرت أهمية الشورى كوسيلة للاستفادة من وجهات النظر المختلفة، ومن الخبرات المتعددة، ومن العلوم المتباينة لإنتاج القرار السليم الذي لابد أن يكون موافقا لشرع الله، ومحققا لمصالح الأمة، وقد حث الإسلام على مبدأ الشورى بين الحاكم والرعية، فجعل الله عز وجل أمر الشورى أساساً من أسس الأمة، فالشورى ليست كلمة بل هي منهج حياة، قال تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: ١٥٩]، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [الشورى: ٣٨].
ولم يفرق الدين بين الرجل والمرأة في ذلك، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم زوجته أم سلمة، رضي الله عنها، في موقف عصيب في صلح الحديبية، بعدما كتب معاهدة الصلح مع المشركين، وبعدها أمر المسلمين بأن ينحروا هديهم ويحلقوا لأنهم لن يذهبوا إلى مكة في هذا العام فلم يقم منهم أحد، فيروي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك فيقول: «فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا. قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل صلى الله عليه وسلم على أم سلمة، رضي الله عنها، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت له أم سلمة رضي الله عنها: يا نبي الله أتحب ذلك، اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا». (أخرجه الإمام أحمد).
وفي عصرنا الحديث لم يعترض علماء الإسلام على ترشيح المرأة في المجالس النيابية، وتمثيل فئة عريضة من الشعب والمشاركة في سن القوانين التنظيمية، ولقد أصدرت دار الإفتاء المصرية الفتوى رقم ٨٥٢ لسنة ١٩٩٧ عن حكم ترشح وعمل المرأة عضوًا بمجلس النواب أو الشعب، وخلصت فيها إلى أنه: لا مانع شرعا من أن تكون المرأة عضوًا بالمجالس النيابية والشعبية إذا رضي الناس أن تكون نائبة عنهم تمثلهم في تلك المجالس، وتكون مواصفات هذه المجالس تتفق وطبيعتها التي ميزها الله بها، وأن تكون فيها ملتزمة بحدود الله وشرعه، كما بين الله وأمر في شريعة الإسلام.
ثالثًا: تولي المناصب المهمة في الحكومة ومؤسسات الدولة، والولاية أمانة، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ) [الأحزاب:٧٢]، وعن أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» (أخرجه مسلم)، وجاءت آثار عديدة تؤكد أن هذا الحق لم يقتصر على الرجال فقط، فتولت المرأة السلطة التنفيذية، أو الشرطة، أو ما يسمى في التراث الفقهي الإسلامي «الحسبة»، كما يجوز للمرأة أن تتولى القضاء على قول بعض أهل العلم من علماء المسلمين المعتبرين، فقد ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى جواز أن تلي النساء القضاء فيما يجوز أن تقبل شهادتهن فيه وحدهن أو مع الرجال ؛ لأن في الشهادة معنى الولاية.
رابعًا: نصح الحاكم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وهي من مهمات الدين، قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) [آل عمران:١٠٤]، وقال سبحانه: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:١١0]، فقرن العقيدة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال: (خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ) [الأعراف:١٩٩]، وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: سمعت رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم» (سنن ابن ماجة)، وتساوت المرأة مع الرجل في هذا الحق أيضاً، ويروي لنا التاريخ الإسلامي أمثلة تؤكد ذلك، ففي خلافة عمر رضي الله عنه، يروي لنا قتادة فيقول: «خرج عمر من المسجد.. فإذا بامرأة برزت على ظهر، فسلم عليها عمر فردت عليه السلام، وقالت: هيهات يا عمر! عهدتك وأنت تسمي عميرا في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت» (راجع الإصابة لابن حجر).
ولعلنا بتلك العناصر الأربعة نكون قد أوضحنا في إيجاز غير مُخِلٍّ حقوق المسلم السياسية، وأنها متساوية بين الرجل والمرأة فلا تمييز بينهما، والله ولي التوفيق.