حكم المحدثون بأنه حديث منكر وذهبوا إلى وضعه. قال العلامة عبد الله بن الصديق الغماري : «وعزْوه إلى رواية عبد الرزاق خطأ لأنه لا يوجد في مصنفه ولا جامعه ولا تفسيره، وقال الحافظ السيوطي في الحاوي في الفتاوى ج1 ص 325: «ليس له إسناد يعتمد عليه» اهـ، وهو حديث موضوع جزمًا ...... إلى أن قال : وبالجملة فالحديث منكر موضوع لا أصل له في شىء من كتب السُّنّة ([1]) .
ولقد حكم بوضعه أكثر المحدثين كالحافظ الصغاني([2])، وأقره الحافظ العجلوني على ذلك([3]).
ومعنى الحديث يمكن أن يكون صحيحًا إذا كانت الأولية في الأنوار فإن ذلك لا يبعد، وعلى أن الأولية مطلقة، فهي ثابتة للقلم وللعرش على الخلاف المشهور، وقد ذكر العجلوني ذلك فقال : «وقيل الأولية في كل شيء بالإضافة إلى جنسه، أي أول ما خلق الله من الأنوار نوري وكذا باقيها، وفي أحكام ابن القطان فيما ذكره ابن مرزوق عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده أن النبي صلي الله عليه وسلم، قال : كنت نورًا بين يدي ربي قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام. انتهى ما في المواهب([4]).
وذكر العلامة الدردير المالكي إقراره لمعنى الحديث فقال : (ونوره) صلي الله عليه وسلم (أصل الأنوار) والأجسام كما قال صلي الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه : «أول ما خلق الله نور نبيك من نوره» الحديث فهو الواسطة في جميع المخلوقات([5]).
فإن عوالم الله سبحانه وتعالى متعددة، فهناك عالم الملك وهو عالم الشهادة، وهناك عالم الملكوت وهو عالم الغيب، ومنه عالم الروح، وعالم الجن، وعالم الملائكة، وهناك أنوار خلقها الله سبحانه وتعالى، فليس هناك ما يمنع أن يكون النبي صلي الله عليه وسلم أول الأنوار التي خلقها الله سبحانه وتعالى وفاضت منه الأنوار إلى البشرية في عالم الروح.
فالحديث موضوع ولا يصح نسبته إلى النبي صلي الله عليه وسلم ، ومعناه يمكن أن يكون صحيحًا كما بيناه، والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________________________
[1] - (مرشد الحائر لبيان وضع حديث جابر)
[2] - (الموضوعات)
[3] - (كشف الخفاء)
[4] - (كشف الخفاء)
[5] - (الشرح الصغير، للدردير، ومعه حاشية الصاوي المسماة ببلغة السالك)