(الصَّمَدُ)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
أيها الإخوة المشاهدون؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مع اسم من أسماء الله الحسنى ﴿وَلِلهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180] نعيش هذه اللحظات مع اسمه (الصمد).
وربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) ﴾ [الإخلاص: 1- 4]، وكثير من الناس وإن حفظ هذه الآية؛ لأنها هي أُسُّ التوحيد الذي بني عليه الإسلام، ولأنها من السور القصار التي يسهل حفظها منذ الطفولة، ولأنها شعار الإسلام؛ ولذلك سميت بالإخلاص، أي: إخلاص العبادة والتوحيد لرب العالمين. فإنهم لا يعرفون معنى دقيقًا لكلمة الصمد، لكنهم يستشعرون أنه يدل على العظمة، وهو صحيح، فهذا يدل على العظمة، لكنْ كلمة الصمد معناها: المُتَوَجَّهُ إليه. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلـم كان يصلي عند الاسطوانة ونهى أن يصمد الإنسان إليها، يعني: أن يتوجه الإنسان إلى اسطوانة المسجد وكأنه يسجد إليها، فكان يجعلها عن يمينه أو عن يساره.
فالصمد معناه: ذلك الذي نلجأ إليه، ندعوه، نطلب منه لا من سواه؛ لأنه عظيم الشأن، قدير على كل شيء، رحيم بنا، يستجيب دعاءنا، رءوف بنا، يرحم ضعفنا.
الصمد معناها: أن الله سبحانه وتعالى يتوجه إليه كل العباد، كل الناس يسألون الله سبحانه وتعالى، ويسألونه بما يريدون، وفي الحديث: «لو وقف بنو آدم صفًا فدعوا ربهم فاستجاب لكلٍّ منهم بما سأل ما نقص ذلك من ملكه إلا كما ينقص البحر إذا ما خرج منه الْمَخِيطُ»، وضعنا إبرة في البحر وخرجت فابتلت، فكم نقص البحر! لو أن الله استجاب لمن في الأرض جميعًا ما أرادوا من أشياء فإن ذلك لا ينقص من ملك الله شيئًا.
الصمد معناها: الْمُتَوَجَّهُ إليها، والسبب أننا قد توجهنا إليه؛ أنه بيده الملك، وأنه سبحانه وتعالى ليس ضعيفًا بل هو قوي، وليس عاجزًا بل هو قدير، وليس قاسيًا بل هو رحيم، لا نعرف مِنْ ربنا سوى أنه: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: 18]؛ من أجل ذلك كان صمدًا، يتوجه إليه المؤمن والكافر، ويطلب منه البَر والفاجر.
الصمد، قالوا: إن من معناها؛ أنه ليس بأجوف. وذلك أن الأجوف قابل للكسر، لكن ربنا سبحانه وتعالى ليس كالأصنام التي يعبدونها يمكن أن تُكسر، فإن الله هو الأول والآخر، والله هو الباقي، والله كان ولم يكن شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان، وكل هذه الأكوان بأمره وبقدرته، وتستمر بأمره وبقدرته، فهو الصمد، فهو مخالفٌ لكل ما عبده بنو البشر ظلمًا وعدوانًا وجهلًا وكفرًا وشركًا به سبحانه وتعالى، وهو الذي يستحق العبادة وحده، فهو الصمد.
فالصمد معناها: أنه هو الذي نتوجه إليه بالدعاء ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد﴾ [الإخلاص: 1]، الله القدير القوي الذي نلجأ إليه ونستعيذ به ونحتمي بحماه ونقول له: يا رب؛ ليس لنا إلا إياك ولا نعرف ربنًا سواك نعوذ بك ونلوذ، مَنْ سواك ينقذنا إذا ما قد ادلهمت الأمور بنا! هذا هو الصمد المتوجه إليه دون سواه....