الصد عن سبيل الله من الأخلاق السلبية التي نهى عنها ربنا في كتابه وأكد على ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم في سنته، والمتأمل في الآيات التي ذكرت في القرآن الكريم حول الصد عن سبيل الله يخاف أن يقع فيما يؤدي إلى ذلك الصد، ولذلك يشفق أحدنا على أولئك الشباب الذين يسيرون وراء دعوات الإرجاف والفساد في الأرض وهم لا يدركون أنهم أصبحوا من الصادين عن سبيل الله؛ حيث يستهجن الجميع تصرفاتهم وهم يصورون أيضاً دين الله على غير ما هو عليه، والله يقول في سورة الممتحنة : (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ * رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) [الممتحنة :4 ، 5].
ودعاء أتباع إبراهيم عليه السلام بأن لا يجعلهم فتنة للذين كفروا تعبير واضح عن ذلك الخوف أن يكونوا هم أنفسهم صادين عن سبيل الله بحالهم أو قالهم، ولو أن الشباب أدرك هذا الخوف لكان وقاية له من التهور والانحراف. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه) [أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن حبان وابن أبي شيبة].
والصد عن سبيل الله هو المضاد للعمل الصالح، فكما أن العمل الصالح ناتج عن الإيمان ودليل عليه ومعيار لزيادته ونقصانه، فالصد عن سبيل الله ناتج أيضا من الكفر الظاهر أو الخفي (النفاق) ودليل عليه ومعيار له فالله يقول : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ويكررها كثيراً ولا يذكر الإيمان إلا مقترنا بالعمل الصالح، وكذلك لا يذكر الصد عن سبيل الله إلا ومعه الكفر أو النفاق قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيدًا) [النساء :167] وقال سبحانه : ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ) [النحل :88] وقال : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) [ محمد :1] وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ) [محمد :32] وقال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) [محمد :34]
وقال : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا) [النساء :61].
وجعل الله الصد من عمل الشيطان قال تعالى : (وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [الزخرف :62] وقال سبحانه : (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة :91].
وهدف الصد هو الاعوجاج وتحصيل الشهوات والكفر بالآخرة وترك هداية القرآن وحب الرشوة وأكل أموال الناس قال تعالى : (قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [آل عمران :99] وقال سبحانه : (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِى ضَلالٍ بَعِيدٍ) [إبراهيم :3] وقال : (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوَهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى الأَرْضِ أَم ِظَاهِرٍ مِّنَ القَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الرعد :33] وقال سبحانه وتعالى : (فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى) [طه :16] وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [التوبة :34].
ونتيجة الصد هو العذاب في الآخرة والضيق في الدنيا قال تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا) [النساء :160] وقال سبحانه : (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [المجادلة :16].
فاللهم اجعلنا مع الصالحين وابعدنا عن الصادين .. آمين.