الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، على آله وصحبه أجمعين. وبعد،
فهذا مجموع يجيب على أسئلة مائة شغلت بال الناس في القرن الرابع عشر الهجري، مرة بقصد، ومرات بغير قصد، حتى أصبحت معيارًا لتصنيف المسلمين، وامتحانًا لتقسيمهم، ورُوج لدى طوائف كثيرة من الناس أنها قطعية لا خلاف فيها، وأن الحق معهم وحدهم، وأن القائل بغير ما يقولونه مارق، فاسق، منحرف، أو على أقل تقدير غير ملتزم ومتساهل، أو يُتهم بأنه ليس محبًا للرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه قاسي القلب، وأنه كأجلاف الأعراب قديمًا، أو أنه منافق زنديق مشرك.
فشغلوا المسلمين بهذه المسائل، وإن كانت محل خلاف، وإن كان لكل مذهب دليله، وإن كان المتفق عليه أكبر من المختلف فيه حتى عد بعضهم مسائل الفقه الواردة عن السلف باعتبار صورها، فوجدها قد زادت عن ألف ألف مسألة يقول، ومعنى هذا أن تلك المسائل لا تزيد عن مسألة في كل عشرة آلاف مسألة، فهل من المعقول المقبول أن نتفق في عشرة آلاف، وإذا اختلفنا في مسألة واحدة حمل كل منا سيف الكلام على صحابه ؟ فيكون جهاد من غير وعي، ويدل ذلك على الفراغ الذهني، بل الفراغ الفقهي، ودع عنا الفراغ الدينى.
وأردت أن أبين في هذا الكتاب الأدلة التي اعتمد عليها العلماء في الإجابة عن تلك المسائل، وهو ما عليه الجمهور، واعتقاد أن تلك المسائل محل اتفاق أمر باطل، بل قد نرى مخالفة طائفة من العلماء فيها، أو نرى مخالفة الأكثر، أو مخالفة الجمهور، وأنه لا يجوز أن نقع في جعل هذه المسائل المعيار الذي نقسم به المسلمين، بل المعيار يجب أن يكون حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وعسى الله أن ينفع به، وأن يزيل اللبس بما فيه، ونحن نسعى لوحـدة المسلمين على قاعدة : «إنما ينكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيه»، وقاعدة : «لا يعترض بمذهب على مذهب»، وقاعدة : «الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد»