طباعة

رمضان مرآة حضارة الإسلام: رمضان في الأدب الإسلامي

تمتلئ المكتبة الإسلامية التراثية والحديثة بالعديد من المؤلفات التي تتحدث عن شهر رمضان الكريم من الناحية الدينية والفقهية وهذا لما يمثله هذا الشهر الكريم من قيمة عظيمة سواء في الفقه بخصوصه أو الدين الإسلامي بعمومه، وتتمحور أغلب هذه المؤلفات حول عبادة الصوم وما يجب على الصائم وما يحرم عليه، ما يستحب له وما يكره منه، كما تتناول أيضا فضل الشهر، وما يشمله من عبادات أخرى بجانب الصوم كالقيام والدعاء وقراءة القرآن والصدقة والزكاة (زكاة الفطر) والاعتكاف أو ما يحتويه من فضل واسع، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رمضان أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار)، وقد تنوعت هذه الكتابات وتعددت لتجيب عن أسئلة المسلم وتعينه على الاستفادة من هذا الشهر في أمور دينه ودنياه.

إلا أن هناك كتابات أخرى تناولت شهر رمضان من زاوية مختلفة مبرزة أهميته الاجتماعية والتراثية في الحضارة الإسلامية منذ فجر التاريخ الإسلامي حتى وقتنا المعاصر، وتناولت هذه المؤلفات زوايا رمضانية مختلفة عن الأمور الدينية السابق ذكرها، فرمضان يشمل العديد من العادات الاجتماعية التي أصبحت جزأ لا يتجزأ من حضارتنا وهويتنا كالسحور ومدفع الإفطار والكنافة والقطايف وتعليق الزينات في الشوارع وإقامة المآدب وحفلات الإنشاد الديني وغير ذلك؛ بل هناك بعض الكتب التي تناولت بعض القضايا الصحية الخاصة بتنظيم الأكل وقتي الإفطار والسحور، وما أنواع الطعام التي يجب على المسلم تناولها أو تجنبها خلال الشهر الكريم، وبعد تناولي قصة مدفع الحاجة فاطمة في مقالي السابق باعتباره واحدا من هذه الظواهر الحياتية المتعلقة بشهر رمضان في تاريخنا الحديث والمعاصر، سألقي الآن الضوء على بقية هذه الظواهر التي أصبحت تشكل ما يمكن أن نطلق عليه التراث الرمضاني للأمة الإسلامية.

كما تنوعت أشعار الشعراء العرب لتحتفل بهذا الشهر الكريم، فأنشد بعضهم ليحتفل بهلاله، مثل القصيدة الطويلة التي كتبها الشاعر محمد الأخضر السائحي الجزائري يرحب فيها بهلال رمضان وبداية شهر الصوم، وبدأ القصيدة قائلا للهلال:

املأ الدنيا شعاعا أيها النور الحبيب

قد طغى اليأس عليها وهو كالليل رهيب

ثم ختمها بقوله: هو عهد تقضى كله برّ وجود

يوم كان الصوم معنى للتسامي والصعود

ولم تقف الأشعار عند حد الاحتفال بشهر رمضان وهلاله، بل امتدت لتصف مظاهره المختلفة ولعل من أهمها الحلوى التي اعتاد الصائم أكلها بعد الفطور لاسترداد عافيته وجهده، ويأتي في مقدمة أصناف الحلوى الكنافة، والتي قال فيها أبو الحسين الجزار المصري- وهو من المكثرين في وصفها:

سقى الله أكناف الكنافة بالقطر   وجاد عليها سكرا دائم الدَّر

ويقول فيها أيضا شهاب الدين الهائم:

إليك اشتياقي يا كنافة زائد ** ومالي غناء عنك كلا ولا صبر

فلا زلت أكلى كل يوم وليلة **  ولا زال منهلاً بجرعائك القطر

وتأتى القطائف في المرتبة الثانية من حيث تناول الشعراء المسلمين، فيقول فيها ابن نباتة المصري:

وقطايف رقت جسوماً مثل ما  ** غلظت قلوباً فهي لي أحساب

تحلو فما تغلو ويشهد قطرها  ** الفياض أن ندى علىّ سحاب

ونجح أبو هلال العسكري في وصفها بدقة فقال:

كثيفة الحشو ولكنها رقيقة الجلد هوانيه

رشت بماء الورد أعطافها منشورة الطوي ومطويه

ومنهم من تناول أشياء أخرى كالفانوس الذي كان من وسائل التنبيه لموعد السحور حتى عرف في البداية بفانوس السحور، وكان يعلق على منار المساجد، ويقول في وصفه أبو الحجاج يوسف بن على- وهو أول من نظم فيه:

ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه **  ولكنه دون الكوكب لا يسرى

ولم أر نجماً قط قبل طلوعه **  إذا غاب ينهى الصائمين عن الفطر

وقد ذهب بعض الشعراء للتشهير بالمفطرين في شهر رمضان، نذكر منها بعض الأبيات لأمير الزجل محمد العطار، حيث قال:

يا خاسر الدين يا فاطر نهار رمضان طاوع إلهك وخالف النفس والشيطان

دا الصوم هو الصون ومنه صحة الأبدان لك فرحتين، فرحتك وقت ما تفطر

والثانية شوف فرحتك في يوم لقا الديان

أما قدوم العيد، فقد تناوله العديد من الشعراء الجامحين بنوع من الشعر الماجن مثل ما قاله أبو نواس، وأحمد بن يزيد، وأبو على البصير، حتى إن أمير الشعراء أحمد بك شوقي قد اقتفى أثر هؤلاء الجامحين في بعض أشعاره، ولكن بعيداً عن هؤلاء، نذكر بعض أبيات الزجل الجميلة التي قالها الشيخ محمد النجار في العيد ووداع رمضان:

العيد أتى والصوم روّح **  ويقول لك الله يا صايم

تعيش لأمثاله وتفرح  ** ويعيش لك الخير الدايم

ويقول: يا خسارة أوقات الطاعات  ** تمر والعاصي غفلان

يا خسارتك يابو الحسنات ** ياللي الإله سماك رمضان

ثم يختم قوله:

يا ناس أهو العيد أقبل قابلوه  ** بقى بكحكه وخلقه

واللي يكون صومه يقبل  ** يشكر إلهه اللي خلقه

يشكر إلهه اللي أعطاه صحة وله جاد بالعافية

ولمثل هذا العيد أبقاه ودي تهاني به وافية

هذه بعض قبسات من الأدب الإسلامي نتبين من خلالها مدى تعلق رمضان بالهوية الإسلامية، وكيف تعدى أهميته الدينية والفقهية ليكون جزءا من حياة المسلمين وفرعاً من كينونتهم ومرآة لحضارتهم.

عدد الزيارات 10769 مرة
قيم الموضوع
(3 أصوات)