طباعة

خلق المسئولية

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع ومسئول عن رعيته فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته» (أخرجه البخاري) ويؤكد هذا الحديث أن المسئولية في الدين الإسلامي غير مقتصرة علي الحاكم أو جماعة المسئولين بل هي مهمة الجميع من أفراد المجتمع للحفاظ علي القيم الأخلاقية والجمالية التي بها تعم السكينة والسلام في الحياة ولابد أن يدرك الجميع أهمية تربية الناشئة على ممارسة المسئولية في حياتهم سواء في البيت أو المدرسة أو الشارع وتتنوع مسئوليات الفرد في مجتمعه على ثلاثة محاور رئيسية وهي: مسئوليته تجاه المجتمع ومسئوليته في وقت الأزمات ومسئوليته في القيام بدوره.

ويتمثل المحور الأول في مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (صحيح مسلم). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم مرآة أخيه فإن رأى به أذى فليمطه عنه» (أخرجه الترمذي). وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً». فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: «تحجزه أو تمنعه من الظلم. فإن ذلك نصره» (أخرجه البخاري). وفي هذه الأحاديث بيان لمسئولية التقويم والنصح على الفرد. وبيان لكيفية النصرة بشكل إيجابي سواء كان المنصور ظالماً أو مظلوماً فإن كان مظلوماً أعناه على أخذ حقه. وإن كان ظالماً رددناه ومنعناه من الظلم مما يجعل المسلم عضواً مشاركاً في مجتمعه ذا فاعلية في تصرفاته جميعاً.

ويتمثل المحور الثاني في تحمل المسئولية في الأوقات العصيبة ببذل أقصى جهد. فعن حذيفة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا إمعة. تقولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا. وإن أساءوا فلا تظلموا» (أخرجه الترمذي). والإمعة هو الرجل التابع الذي لا يثبت على رأي. وفي هذا الحديث تدريب على الاستقلالية في اتخاذ المواقف الإيجابية في كل أمر وعدم اتباع كل ناعق بظلم أو إساءة وتدريب على ممارسة الاجتهاد واستخدام العقل لمعرفة الإحسان ومجاهدة النفس على اتباعه وإشاعته وعدم الاستسلام لروح اللامبالاة والانهزامية أمام الظلم والشر في القول والعمل.

ويتمثل المحور الثالث في إتقان العمل وقد لخصه النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته عنه السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها أنه قال: «إن الله عز وجل يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» (أخرجه الطبراني). فمن أهم أهداف التربية النبوية إخراج الفرد المسلم إنساناً عاملاً يقوم بالعمل الصالح المتقن وذلك لأن العمل الصالح هو علة الخلق والإيجاد وهو مادة الابتلاء والاختبار في الدنيا ويبنى عليه الفوز في الآخرة قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:2]، والعمل الصالح هو الترجمة العملية للعلاقات التي حددتها فلسفة التربية الإسلامية بين الإنسان من جهة وبين الخالق والكون والآخرة من جهة أخرى. فقد ورد لفظ العمل في القرآن الكريم في ثلاثمائة وتسعة وخمسين موضعاً وفي السنة الشريفة يصعب حصر عدد المواضع التي ورد لفظ العمل فيها فالإسلام دين يبغض الفقر ويكافحه ويسد روافده ويدعو إلى العمل الدءوب في تنمية إمكانيات وطاقات الأمة والعمل الصحيح والأمل الفسيح هما عنصران أساسيان في بناء الدولة ونهضة المجتمع فيذكر الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين أن قواعد السياسة لصلاح المجتمع والدولة أولها دين متبع والمقصود به التزام كل فرد القيام بمسئولياته وآخرها أمل فسيح وهو الثقة في الله تعالى للخروج ببلدنا مما يحيط بها من أزمات وصعاب والله المستعان.

عدد الزيارات 10046 مرة
قيم الموضوع
(4 أصوات)