طباعة

الرؤيا وأقسامها في الشريعة الإسلامية

        تكلمنا فيما سبق عن الرؤية، ومعناها، وحقيقتها في اللغة وفي كتب الأصول والفقه، وكذلك الرؤيا في نظر السادة الصوفية، ووصلاً بما سبق نستكمل الحديث عن الرؤيا؛ حيث سنتناول أنواع الرؤيا وأقسامها بشيء من التفصيل.

        فكما اهتم العلماء والفقهاء المسلمون بتعريف الرؤيا وبيان حقيقتها، اهتموا كذلك ببيان أقسام هذه الرؤيا وأنواعها فهذا ابن القيم يتناول تلك الأقسام في كتابه الروح حيث يقول : « فإن الرؤيا على ثلاثة أنواع : رؤيا من الله، ورؤيا من الشيطان، ورؤيا من حديث النفس. والرؤيا الصالحة أقسام : منها إلهام يلقيه الله في قلب العبد، وهو كلام يكلم به الرب عبده في المنام. ومنها : مثل يضربه ملك الرؤيا الموكل بها. ومنها : التقاء روح النائم بأرواح الموتى من أهله وأقاربه وأصحابه وغيرهم ».

        ويقول ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والنحل : الرؤيا أنواع : منها : ما يكون من قبل الشيطان، وهو ما كان الأضغاث والتخليط الذي لا ينضبط. ومنها ما يكون من حديث النفس، وهو ما يشتغل به المرء في اليقظة، فيراه في النوم من خوف عدو، أو لقاء حبيب، أو خلاص من خوف، ونحو ذلك. ومنها : ما يكون من غلبة الطبع كرؤية من غلب عليه الدم للأنوار والزهر والحمر، والسرور. ورؤية من غلب عليه الصفراء للنيران، ورؤية صاحب البلغم للثلوج والمياه. وكرؤية من غلب عليه السوداء الكهوف، والظلم والمخاوف. ومنها : ما يريه الله ـ عز وجل ـ نفس الحال إذا ضغث من أكدار الحسد، وتخلصت من الأفكار الفاسدة، فيشرف الله ـ تعالى ـ به على كثير من المغيبات التي لم تأت بعد، وعلى قدر تفاضل النفس في النقاء والصفاء يكون تفاضل ما يراه في الصدق »

        ويقول الإمام محي الدين ابن العربي في الفتوحات : « الرؤيا ثلاث : 1- منها بشرى. 2- ورؤيا مما يحدث المرء به نفسه في اليقظة فيرتقم في خياله، فإذا نام أدرك ذلك بالحس المشترك؛ لأنه تصوره في يقظته فيبقى مرتسما في خياله، فإذا نام وانصرفت الحواس إلى خزانة الخيال أبصرت ذلك. 3- والرؤيا الثالثة من الشيطان، وروينا في هذا حديثا صحيحا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : « إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاث فالرؤيا الصالحة بشرى من الله تعالى، ورؤيا من تحزين الشيطان، ورؤيا مما يحدث الرجل به نفسه، وإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم ولتفل ولا يحدث به الناس » الحديث.

        والمرئي على ما قاله بعض الصوفية سواء كان على صورته الأصلية أو لا، قد يكون بإرادة المرئي، وقد يكون بإرادة الرائي، وقد يكون بإرادتهما معا، وقد يكون لا بإرادة من شيء منهما :

فالأول : كظهور الملك على نبي من الأنبياء عليهم السلام في صورة من الصور، وظهور الكامل من الأناسي على بعض الصالحين في صورة غير صورهم.

والثاني : كظهور روح من الأرواح الملكية أو الإنسانية باستنزال الكامل إياه إلى عالمه ليكشف معنى ما مختصا علمه به.

والثالث : كظهور جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم باستنزاله إياه، وبعث الحق سبحانه إياه ﷺ.

والرابع : كرؤية زيد مثلا صورة عمرو في النوم، من غير قصد وإرادة منهما»

ويلخص الشيخ محمد علي الصابوني أنواع الرؤيا فيقول: « والرؤيا المنامية من عالم الغيب فقد تكون حقيقة واقعة، وقد تكون أضغاث أحلام أو من تلاعب الشيطان. وقد قسمها العلماء إلى ثلاثة أقسام: أحدها حديث النفس كمن يهمه أمر في نهاره ويشتغل فكره بقضية ما فيراها في منامه، ويسميها علماء النفس أحلام الذاكرة كالعاشق الولهان يجد معشوقته في منامه. والثانية أضغاث أحلام لا حقيقة لها بل هي من رعونة النفس وتلاعب الشيطان بالإنسان. والثالثة الرؤيا الصادقة التي هي بشرى من الرحمن، وهي الرؤيا الحسنة التي يراها المؤمن في منامه أو يراها له أخ صديق ».

وفي الذخيرة للقرافي رحمه الله تعالى قال الكرماني الرؤيا ثمانية أقسام سبعة لا تعبر وواحدة تعبر فقط . فالسبعة ما نشأ عن الأخلاط الأربعة الغالبة على الرائي .

فمن غلب عليه الدم رأى اللون الأحمر والحلاوات وأنواع الطرب أو الصفراء رأى الحرور والألوان الصفر والمرارات . أو البلغم رأى المياه والألوان البيض والبرد . أو السوداء رأى الألوان السود والمخاوف والطعوم الحامضة . ويعرف ذلك بالأدلة الطبية الدالة على غلبة ذلك الخلط على ذلك الرائي .

الخامس : ما هو من حديث النفس ويعلم ذلك بجولانه في النفس في اليقظة.

السادس : ما هو من الشيطان ويعرف بكونه يأمر بمنكر أو معروف يؤدي إلى منكر كما إذا أمره بالتطوع بالحج فيضيع عائلته وأبويه.

السابع : ما يكون فيه احتلام . 

والذي يعبر هو ما ينقله ملك الرؤيا من اللوح المحفوظ , فإن الله تعالى أمره أن ينقل لكل واحد أمور دنياه وأخراه من اللوح المحفوظ كذلك . انتهى ما قاله الكرماني رحمه الله .

وذكر الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم المعروف بابن قتيبة في تأليفه الذي أجاب فيه عن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المدعى عليها التناقض والاختلاف حين تكلم على أقسام الرؤيا فقال : وإنما يكون الرؤيا الصحيحة التي يأتي بها الملك من نسخة أم الكتاب في الحين بعد الحين .

نستخلص من النقول السابقة أن الرؤيا لها أقسام، وتختلف هذه الأقسام باختلاف اعتبارات معينة، فمن كان يتكلم عن الرؤيا عموما بالأقسام الثلاثة الواردة في الحديث فهو يقلل في الأقسام، ومن كان يتكلم في تفصيل الرؤيا من الله ، وتفصيل حديث النفس فإنه يكثر من التقسيم.

وما اهتم العلماء المسلمون بهذا البعد في حياة الإنسان إلا لأهميته وتأثيره سلباً وإيجاباً على سلوكهم بين الناس وإلى الله سبحانه وتعالى، ونسأل الله العلي القدير أن يحسن سيرنا إليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عدد الزيارات 17468 مرة
قيم الموضوع
(0 أصوات)