طباعة

هل المهديُّ المُنْتَظَر شخص حقيقي سيظهر يومًا ؟ وهل هناك أي حديث صحيح يتكلم فيه الرسول صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه ؟

دلت الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن للساعة علامات صغرى تعقبها علامات كبرى ، ومن هذه العلامات ظهور المهدي عليه السلام ؛ حيث إن الأحاديث التي جاء فيها ذكر المهدي كثيرة متواترة كما نص على ذلك حفاظ الحديث ونُقَّادُه ، فقد قال الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين الآبُرِيُّ [ ت 363 هـ ] رحمه الله تعالى في " مناقب الإمام الشافعي رضي الله عنه ": " قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بمجيء المهدي ، وأنه من أهل بيته ، وأنه يملأ الأرض عدلاً ، وأن عيسى عليه الصلاة والسلام يخـرج فيساعده على قتل الدجال ، وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى عليه السلام خلفه  .  .  في طُولٍ مِنْ قصته وأمره " ا هـ .
والأحاديث التي جاء فيها ذكـر الإمام المهدي فيها ما هو صحيح ، وفيها ما هو حسن ، وفيها ما هو ضعيف ، ولكنها – لكثرتها وكثرة رواتها وكثرة مُخَرِّجيها – يُقوِّي بعضها بعضًا ؛ حتى صارت تفيد القطع واليقين ، وهذا بخلاف الآثار الكثيرة المصرحة بذكر المهدي عن الصحابة والتي لها حكم الرفع ؛ لأن مثل ذلك لا يُقال بالرأي ولا مجال للاجتهاد فيه  .
2
-  ومن مجموع الروايات الواردة في المهدي يتضح لنا أنه من بيت النبوة ؛ من نسل السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، والإمام الحسين عليه السلام : جده لأبيه ، والإمام الحسن عليه السلام : جده لأمه ( أو العكس ) ، وهو شبيه في صورته بجَدِّه : النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فوجهه كالكوكب الدُّرِّيِّ في الحُسن والوضاءة ، أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، أكحل العينين واسعهما ، أزَجُّ ( أي دقيقُ الحاجبين طويلُهما ) ، أبلج ( أي مفروقُ الحاجبين غير مقرونهما ) ، كث اللحية ، برَّاق الثنايا ، يواطئ اسمُه اسمَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم واسمُ أبيه اسمَ أبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو لا يعرف نفسه ولا يدعو إلى مهديته ، وإنما يختاره الناس فجأة ويبايعونه بين الركن والمقام وهو كاره بعد أن يهرب منهم مرة بعد مرة ، ويتولى الخلافة وهو ابن أربعين سنة فيمكث فيها سبع سنين أو ثمانيًا أو تسعًا يعم فيها الرخاء والعدل وكثرة المال ، ويُكتَب له القبول في الأرض والسماء ، إلى غير ذلك من الصفات التي جاء ذكرها في الأحاديث الواردة فيه عليه السلام .  
3
 -  وقد عُنِيَ بجمع الأحاديث والآثار الواردة في الإمام المهدي عليه السلام جماعة من العلماء ؛ كالإمام أبي داود السجستاني [ ت 275 هـ ] في كتاب " السنن " ، والحـافظ أبي نُعَيْم الأصبهاني [ ت 430 هـ ] في " الأربعين في أخبار المهدي " ، والحافظ أبي العلاء الهمذاني الحنبلي [ ت 569 هـ ] في " الأربعين في المهدي " ، والحافظ السيوطي الشافعي [ ت 911 هـ ] في " العرف الوردي في أخبار المهدي " ، والعلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي [ ت 973 هـ ] في " القول المختصر في علامات المهدي المنتظر " ، والمحدث المتقي الهندي [ ت 975 هـ ] في " البرهان عن مهدي آخر الزمان " ، والشيخ ملا علي القاري الحنفي [ ت 1014 هـ ] في كتابيه " الرد على من حكم وقضى أن المهدي جاء ومضى " و " المشرب الوردي في أخبار المهدي " ، والإمام الشوكاني [ ت 1250 هـ ] في كتابه " التوضيح في تواتر ما جاء عن المهدي والدجال والمسيح " ، والحافظ السيد أحمد بن الصِّدِّيق الغماري [ ت 1380 هـ ] في ردِّه على ابن خلدون ما أنكره من أمر المهدي وسمَّاه " إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون " ، وشيخنا الحافظ المحدث السيد عبد الله بن الصِّدِّيق الغماري [ ت 1413 هـ ] في رسالته " المهدي المنتظر " التي جمع فيها طائفة من الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة والتابعين الواردة في الإمام المهدي  .  .  .  وغيرهم كثير ممن يضيق المقام عن ذكرهم وسرد مؤلفاتهم في ذلك  .
4
 -  ومن الأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي عليه السلام :
·
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وحسَّنه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم ، ولفظ أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « الْمَهْدِيُّ مِنِّي ، أَجْلَى الْجَبْهَةِ ، أَقْنَى الأَنْفِ ، يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا ، يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ » ، وأصل هذا الحديث في صحيح مسلم بلفظ « يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ الْمَالَ وَلاَ يَعُدُّهُ »  .
·
وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عند أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم ، ولفظ أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنِّي – أو مِنْ أَهْلِ بَيْتِي – يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي ، يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا »  .  
قال الحاكم في "المستدرك" : " رواه الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم ، وطُرُق عاصم عن زِرٍّ عن عبد الله كلُّها صحيحة على ما أصَّلْتُه من الاحتجاج بأخبار عاصم ؛ إذ هو إمام من أئمة المسلمين " ا هـ  .
·
وحديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عند أحمد وأبي داود وابن ماجه وغيرهم ، ولفظ أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ يَوْمٌ لَبَعَثَ اللَّهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، يَمْلأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا »  .
·
وحديث أم سلمة رضي الله عنها عند أبي داود وابن ماجه والحاكم وغيرهم وصححه ابن حبان ، ولفظ أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي ؛ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ »  .
إلى غير ذلك من الأحاديث والآثار الواردة في المهدي عليه السلام  .
5
 -  والمهدي عليه السلام ليس مُنْتَظَرًا عند أهل السنة ؛ فلم يصدر من الشرع تكليف للأمة أو للأفراد بترقُّبِ ظهوره وتحسُّسِ مجيئه ، وليس الإسلام متوقفًا في كماله ولا في تطبيق أحكامه على ظهور المهدي ؛
بل الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى العالمين وهو العهد الأخير الذي ارتضاه الله تعالى للبشر { اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا } (المائدة 3 ) ، وهو دين الله الذي جعله مرنًا مستوعبًا لعوامل التغير ؛ فأمر عباده بتطبيقه عبر الزمان والمكان والأشخاص والأحوال من غير أن يترقبوا في ذلك مهديًّا أو يُوقفوا العملَ على نزول مَنْ بُشِّرُوا بنزوله ، وإنما غاية المراد من رواية أحاديث المهدي ونهاية المقصود من معرفة أخباره وأخبار غيره – مما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين يدي الساعة – هو التصديق بخبر المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم فيه واتباع ما أرشد إليه في ذلك كله عند ظهوره ، فإذا حصل شيء من ذلك وظهر ووافق الخُبْرُ فيه الخَبَر كان ذلك معجزة نبوية متجددة تشهد بجلاء على صحة خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا ما
رآها الناس قالوا : { هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا }  .  

عدد الزيارات 10713 مرة
قيم الموضوع
(4 أصوات)