الخبير
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه، وَمَنْ والاه.
أيها الإخوة المشاهدون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مع اسم من أسماء الله الحسنى، ﴿وَلِلهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180].
نعيش هذه اللحظات مع اسمه سبحانه: (الخبير).
و (الخبير) على وزن فعيل، وهو وزن من أوزان العربية يستعمل لاسم الفاعل، واسم المفعول معًا، فنقول كلمة: (قتيل) على المقتول، ونقول كلمة: (خبير) على الخابر، وهنا هو اسم فاعل؛ فإن الله سبحانه وتعالى خبير بكل شيء.
العلم له درجات، هذه الدرجات قد تكون العلم بظاهر الأمور، وهي درجة من درجات العلم، نرى ورقة الشجر ونعلم أنها خضراء، وأن شكلها على هذا الشكل المعلوم لورقة الشجر، وأنها تنتمي إلى أي الأشجار، وكل هذه المعلومات، معلومات سطحية ظاهرية أولية، يدركها كل أحد من البشر.
وهناك علم آخر أعمق من هذا، وهو أن نضع هذه الورقة تحت المجهر، فنرى فيها الخلايا، ونرى فيها النواة الْمُكَوِّنة للخلية، ونرى فيها أشياء أخرى، ونعلم من هذه الأشياء: كيف يتم التمثيل الضوئي لهذه الورقة.
وهناك علم آخر، أشد من هذا، وهو مَنْ الذي خلق هذه الورقة؟ وما حكمة هذا الخلق؟ وكيف نستفيد منها فيما هو وراء ظاهرها فقط، ووراء شكلها فقط؟
وهذا علم آخر، يمكن أن نُسَمِّيَ ما تحصلنا منه من المجهر بالعلم العميق، ويمكن أن نُسَمِّيَ ما تحصلنا منه من علم بعد ذلك، في ربط الأسباب بمسبباتها، بمنطق العقل البشري: العلم المستنير؛ لأنه ينير لنا الطريق إلى الحقيقة.
فهناك علم سطحي، وعلم عميق، وعلم مستنير، وهناك علم آخر، قد لا يكون في طوق البشر، وهو العلم بأصول الأشياء الضاربة في أعماق التاريخ، أو بأصول الأشياء وروابطها في هذا الكون الفسيح، وعلاقتها مع الأشياء الأخرى، وكيف تكون.
والله سبحانه وتعالى يعلم كل ذلك بجميع مستوياته، فهو خبير.
وهذا اللفظ نستعيره لِمَنْ كان متمكنًا من علمه من البشر، في مجال من المجالات، ونقول: إن فلانًا خبير في مجال كذا؛ لأنه أحاط بالتجربة، بالعمق، بالعلاقات البينية بين المعلومات؛ إحاطة تتناسب مع قصوره البشري.
فما بالكم بِمَنْ عَلِمَ كل شيء؟!
فما بالكم بِمَنْ سيطر على كل شيء؟!
فما بالكم بِمَنْ خلق كل شيء؟!
فما بالكم بِمَنْ كان على كل شيء قدير؟!
إنه إذن، خبير على مستوى آخر، يليق بربوبيته وألوهيته، وعظمته، سبحانه وتعالى.
و (الخبير) جاءت مقترنة بكلمة: (اللطيف): ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].
فهو يعلم الأحداث، ويعلم إذا لم تكن، كيف كانت ستكون، ويعلم المخلوقات والعلاقات التي بينها، وكيف يمكن لهذه العلاقات أن تكون، وكيف لو لم تكن، كيف كانت ستكون.
التجئ إليه سبحانه وتعالى؛ فإنه اللطيف الخبير.