(الضار النافع)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه، وَمَنْ والاه.
مع اسم من أسماء الله الحسنى، ﴿وَلِلهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180].
قد ورد في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهي من الأسماء المزدوجة المتقابلة، التي بتمامها تدل على كمال الله سبحانه وتعالى، وَتُذِّكر الإنسان في نفس الوقت، إلى أنه لا ملجأ، ولا منجا من الله إلا إليه.
(الضار النافع)، والأليق أن تذكرهما معًا، وتذكر أن الله هو الضار النافع، معًا، لماذا؟
لأنك إذا ما اعتقدت أن رب العالمين هو الذي يقدر الضرر، فلا تلقي بمسئولية الضرر على أحد، فيعلمك ذلك العفو والصفح، فلو تسلط عليك أحد، فآذاك، فاعلم أن هذا من عند الله، وأنه هو الذي سلطه عليك؛ لإيذائك، فماذا عنك؟
لا بد من الصبر، لا بد من الحكمة، لا بد من العفو والصفح.
ونرى أن الله قد سلط ذلك العبد بذلك الفعل على هذا الإنسان فضره؛ لكن الضار الذي خلق هذا، هو وحده سبحانه وتعالى.
والله حكيم، ونحن نحبه، وهو يحبنا؛ ومن أجل ذلك نرضى، ولا نأسى على شيء فاتنا: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [الحديد: 23].
فإذن، كلمة: (الضار) لما أعتقد فيها، هتعلمني الصبر، هتعلمني أَلَّا أنسب شيئًا لغيره، شخص آذاني، أقول: أيوه، ده مؤذي، ولازم أنتقم منه، ولا بد إن أنا آخذ حقي.
فلا في عفو، ولا في صفح، ولا في صبر، ولا في حكمة، ولا في حقيقة.
فبيعلمنا، وبيقول لنا: أبدًا، أنا الضار، وأنا النافع، ولا يكون في هذا الكون شيء إلا ما أراده، وقضى به، سبحانه وتعالى.
«واعلم أن الناس لو اجتمعت على أن يضروك بشيء، لا يضروك بشيء إلا ما كتبه الله عليك، ولو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لا ينفعوك بشيء إلا ما قدره الله لك، جفت الأقلام، وطويت الصحف».
(الضار النافع) سبحانه وتعالى.
هذا لا يجرنا إلى إنكار الأسباب؛ إنما هذه عقيدة في القلب، تجعلنا نفعل الخير.
هذا لا يجرنا إلى الرضا بالضرر، وأن فلانًا قد أَضَرَّ فلانًا، أو قتله، فإن الله الذي قتله، ونترك هذا القاتل؟
لأ، هذا القاتل يجب أن يعاقب، ويضرب على يده، ويؤخذ بجريرته.
إنما العقيدة في القلب، لا تجعلك متهورًا إلى الحد الذي تنسب فيه هذا الفعل إليه، بذاته، من غير قدر الْمُقَدِّر سبحانه وتعالى، فتختل تصرفاتك، وأفعالك، وتخرج من حد الرضا، والتسليم، والصبر، والأناة، والحكمة، ورؤية ما في الكون، وما وراء هذا، تخرج بذلك إلى حد التصرف الشرس، العنيف الذي نراه في كثير من الأمم، الذين لم يعرفوا أن الله هو الضار، وهو النافع، وظنوا أنفسهم أنهم هم الضار النافع، فوصفوا أنفسهم بِمَا وصف الله به نفسه.
نحن نحذرهم؛ من أجل أن نحجز هؤلاء الناس عن النار، وعن يوم آخر نعود فيه إلى ربنا سبحانه وتعالى، نقف بين يديه؛ للحساب، للثواب والعقاب.
نحذر أولئك الذين يتخذون القرارات، ويحركون الجيوش، ويقتلون الأطفال، والنساء، وينتهكون في كل مكان: كرامة الإنسان، نحذرهم أنهم ينزلون أنفسهم منزلة المجاهر لله بالمعصية، ويعتبرون أنفسهم: الضار النافع، والضار النافع هو الله.
والعالم الإسلامي جاءه: التتار، وجاءه: الصليبيون، وجاءه بعد ذلك: الاستعمار، وجاءه بعد ذلك... وقبل ذلك: الفرس والروم، فكان المسلمون في عقل ووضوح، أن الضار النافع هو الله، فلا إله إلا الله.
وأن الله إذا سلط العباد علينا، وندعو الله أن يرفع أيدي الأمم عنا؛ حتى ننمي أنفسنا، ونعيش في سلام، كما كنا نعيش في سلام، ونجعل الناس تعيش في سلام.
كل التاريخ الإسلامي، آوينا فيه الناس؛ لأننا نؤمن في: (الضار النافع)، وهدأنا بالهم، وعاشوا في أوساطنا، وإلى يومنا هذا، من طنجة إلى جاكرتا، ومن غانا إلى فرغانا، فما الذي حدث؟
حدث أننا نعلم: الضار النافع، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلموا: الضار النافع.