﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف :180]، هذه دعوة قرآنية تفتح للعبد أبواب الإقبال على الله سبحانه وتعالى.
ففي الحديث الشريف ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أعلمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحًا". فقيل: يا رسول الله، أفلا نتعلمها؟ فقال: "بلى، ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها".
وتنقسم أسماء الله تعالى إلي ثلاثة أقسام، هي: أسماء الجمال وعلي المؤمن التخلق بها. فعليه أن يرحم الناس تخلقا باسم الله الرحيم وعليه الصبر إتباعا لاسم الله الصبور. وأسماء الجلال وعلي المؤمن التعلق بها دون التخلق، فهي لله وحده لا ينازعه فيها أحد من مخلوقاته. فعلى المؤمن أن يمسك نفسه عن القهر والتكبر والجبروت.
وأخيرا أسماء الكمال وعلي المؤمن أن يحبها ويصدق بها. فيعلم ويوقن أنه سبحانه هو الله الأول والآخر والظاهر والباطن.
ونتناول اليوم اسم الله الوهاب وهو كثير المواهب. والهبة هي العطيَّة الخالية عن الأعواض والأَغراض فإذا كثرت سمي صاحبها وهابا وهو من أبنية المبالغة. والوهاب في صفته تعالى يدل على البذل الشامل والعطاء الدائم بلا تكلف. وكلّ ما وهب لك الوهاب من ولد وغيره فهو موهوب. ويُقال للمولود له : شكرت الواهب وبُورك لك في الموهوب.
وورد اسم الله الوهاب بلفظة في القرآن ثلاث مرات، وذلك في قوله: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ﴾ [آل عمران :8] وقوله: ﴿ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العَزِيزِ الوَهَّابِ ﴾ [ص :9]. واقتران اسم الوهاب مع الرحمة دليل علي أنها من أعظم نعم الله تعالي علي مخلوقاته، وأن خزائن رحمة الله تعالي ليس لها حد في حجمها أو امتدادها.
وقد أورد الرازي في تفسيره الجامع "مفاتيح الغيب" أن كلمة "رحمة" جاءت نكرة لتشمل جميع أنواع الرحمات وهم ست: فأولها : أن يحصل في القلب نور الإيمان والتوحيد والمعرفة ، وثانيها : أن يحصل في الجوارح والأعضاء نور الطاعة والعبودية والخدمة، وثالثها: أن يحصل في الدنيا سهولة أسباب المعيشة من الأمن والصحة والكفاية، ورابعها: أن يحصل عند الموت سهولة سكرات الموت، وخامسها: أن يحصل في القبر سهولة السؤال، وسهولة ظلمة القبر، وسادسها: أن يحصل في القيامة سهولة العقاب والخطاب وغفران السيئات. ومن ثم جاء بعدها اسم الله الوهاب ليدل أن رحمة الله مع لانهائيتها لا يمسكها شيء إذا أراد الله أن يهبها لمن يشاء.
أما المرة الثالثة لذكر اسم الله الوهاب فورد في قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لي وَهَبْ لي مُلْكًا لاَّ ينبغي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِى إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ﴾ [ص :35]. فعندما تعلق نبي الله سليمان عليه السلام باسم الله الوهاب في دعائه، استجاب له ربه ووهبه ملكا خاصا لا يتكرر لأحد من بعده وذلك في قوله: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ *وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ* وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ في الأَصْفَادِ﴾ [ص :36-38] والفاء لسرعة الإجابة؛ بل ولم يكتفي الله سبحانه بذلك بل زاد له فقال: ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص :40]. ليعم عليه عطاؤه في الدنيا والآخرة.