تكلمنا في المقال السابق عن بعض صفات عباد الرحمن من سورة الفرقان، ونكمل في هذه المرة الحديث عن باقي الصفات في تلك السورة التي عدت من صفات عباد الرحمن خمسة عشرة صفة.
فبعد أن ذكر الله اتصاف عباد الرحمن بالتوحيد له في الاعتقاد، وفي التوجه والقصد فقال: (وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) [الفرقان :68] وذكرنا شمولية قضية التوحيد عند عباد الرحمن. بعد ذلك ذكر ربنا صفات سلبية لهم، ونعني بسلبية أنها صفات ناشئة عن الترك ولم تنشأ عن الفعل، فقال تعالى : (وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) [الفرقان :68]، فكان من صفاتهم أنهم يتركون قتل النفس، وذلك لأن قتل النفس من أشد الكبائر بعد الشرك بالله، ولذا كثرت مواضع النهي والزجر عنه في القرآن فقال تعالى : (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء :93].
فقتل الناس أول الكبائر التي اقترفها ابن آدم على الأرض، وقد ذكر ربنا سبحانه وتعالى ذلك في القرآن الكريم، وعقب تلك القصة بقوله : (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِى الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [المائدة :32].
ولقد قامت الشريعة على حفظ النفس، وعصمة الدماء، فحرمة قتل النفس البشرية -بصرف النظر عن دينه، ولونه، وجنسه، وانتمائه الفكري- هو قيمة إنسانية تؤكد على تكريم الله لبني آدم بصفة عامة، كما قال سبحانه : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء :70].
والمقصود باستثناء قتل النفس (إلا بالحق) هو قتل القاتل عقوبة له (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى :40] وهو القصاص الذي سماه الله حياة ولم يسمه قتلا، قال تعالى : (وَلَكُمْ فِى القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِى الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة :179].
ومن الحق قتل المعتدي الذي يريد سفك الدماء وغصب الأرض وهتك العرض ويسعى في الأرض فسادا. قال تعالى : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة :33]. وقال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) [البقرة :204 ، 205]
وقد خرج علينا في هذه الأيام من تفلسف يريد أن يمنع عقوبة الإعدام كعقوبة القاتل، وهذا ظلم منه وبعد عن الإنصاف، بل وتفشي لجريمة القتل لعدم فورية العقوبة، وكأن هؤلاء هم الذين خاطبهم الله بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النور :19]
فقتل النفس عقوبة وقصاصا من حكم الله الذي حكم به في شرائعه المختلفة والذي استقر في شريعة الإسلام، قال تعالى : (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [المائدة :45].
فهذا هو الاستثناء لقتل النفس أن يكون بالحق، أن يكون بحكم الله، أن يكون من خلال النظام القضائي في الدولة بما يتوافق مع شرع الله سبحانه وتعالى.
والإسلام يقر ما للذات الإنسانية من حقوق أولها : حق الحياة، ثم حق التملك، وحق التزوج، حق الرأى، حرية التفكير، حرية الاعتقاد فكل هذه الحقوق هي مقومات لحماية للإنسان وضمانا لمسيرته وتحقيقا للهدف الذي خلق من أجله.
وعباد الرحمن يلتزمون بشريعة الإسلام في مقاصدها العالية، وفي أحكامها التفصيلية، بل إنهم يحرمون قتل أي حيوان أيضا بغير حق، وهم يمتثلون لما أمرهم به سيدهم ونبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال : «ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حق إلا سأله الله عز وجل عنها» [رواه النسائي في الكبرى، والحاكم في المستدرك].
ويؤمنون بأن الله لا يدع من قتل -حتى الحيوان ظلما وتعذيبا- يفلت من عذابه، وهم بذلك يصدقون بما أخبره به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال : «دخلت امرأة النار في هرة حبستها ولا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» [رواه البخاري ومسلم].
فهم يرحمون من في الأرض حتى يرحمهم من في السماء، فهم راحمون إذا استرحموا رحموا، وإذا سألوا أعطوا، وإذا خلوا ذكروا الله، جعلنا الله منهم آمين.
ثم وصفهم ربهم بصفة سلبية أخرى وهي ترك الزنا، فقال تعالى : (وَلاَ يَزْنُونَ) [الفرقان :68]، فالزنا من أعظم الكبائر، وأشد الذنوب، ولقد خصه الله بنهي يبين خطره، فقال تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء :32]. فلم ينه الله عن الزنى فحسب، بل نهى عن القرب من الزنا، ومن عظمة حرمة الزنا حرم الله النظر المحرم بين الجنسين، وحرم اللمس، وحرم الخضوع بالقول، وحرم الخلوة، كل هذه أفعال تقرب العبد من الزنا.
والمتأمل في تحريم الله لكل هذه المقدمات يدرك تمام رحمة الله، فمن رحمته أن حرم ذلك كله حتى يسهل للإنسان الابتعاد عن الزنا، فتخيل لو أن الله أباح للإنسان كل تلك المقدمات، ثم أمره أن يبتعد عن الزنا، كان ذلك فيه من الحرج ما فيه على الإنسان، فرحمته فاضت على البشرية وكان من آثارها وقايتهم من الوقوع في الذنوب بأمره الكوني، وبأمره الشرعي.
وعباد الرحمن بشر قد أودع الله بأنفسهم الشهوات، فهم يشتهون الناس، ولكن لا تدفعهم تلك الشهوة للسلوك المحرم، فيعلمون أن الله قد شرع لهم نظامًا لتفريغ الشهوة، فهم يدركون معنى آدميتهم وإنسانيتهم جيدًا، ويعلمون أن الإنسان مكرم على سائر الحيوانات بالتكليف، وبأنه يملك رغبات نفسه ولا يجعلها تفلت منه، ولا يجعلها تخترق إطار الشرع.
أما غير المسلم وغير المؤمنين بالله لا يجدون مانعا من أن يفرغوا شهواتهم بمجرد الإحساس بها، ولا أدري أي فرق بين هذا الإنسان والحيوان عندئذ، فالحيوان إذا أراد أن يأكل أكل في أي مكان وأي زمان، وإذا أراد أن يفرغ شهوته وحاجته في أي وقت فعل دون مراعاة.
فغير المؤمنين يأكلون دون قيد في أي وقت وأي شيء، والمؤمنون يتحرون الحلال، ولا يأكلون في نهار رمضان، ولا يأكلون ما حرم الله عليهم من المأكولات، فيرتقون بالنفس البشرية عن مرتبة الحيوانية والبهمية، قال تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ) [محمد :12]. وقال سبحانه في موضع آخر : (أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ) [الأعراف :179].
فاستجاب عباد الرحمن لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ يقول للشباب : «يا معشر الشباب من استطاع الباءة منكم فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» [رواه البخاري ومسلم]. فالزواج الذي شرعه الله هو سبيلهم الوحيد لإفراغ تلك الشهوة، حتى تقوم الأسرة الصالحة التي هي أساس المجتمع الصالح.
وقد ذكر الله في نهاية وصفه لعباده بترك تلك الكبائر، عقوبة من يفعل تلك الكبائر، فقال سبحانه : (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان :68 : 70] واستثنت الآيات التائبين والمصلحين، بل أخبر ربنا بأن سيئاتهم تتحول إلى حسنات، وذلك بتغير البيئة، ويفهم هذا عن ربه من فتح الله عليه، ونمر بها هنا مرور الكرام لدقتها، ولكن فضل الله كبير، ورحمة واسعة، فتدبروا وتأملوا كتاب ربكم، وأحيوا في ظلاله، فظلاله وافرة.
ثم تحدثت السورة الكريمة عن اتصاف عباد الرحمن بصفة، وهي تركهم لكبيرة عظيمة الشأن، ألا وهي شهادة الزور، فقال تعالى : (وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [الفرقان :72] والزور من التزوير وهو تزيين الباطل حتى يظنه الناس حقا، وهو من باب الكذب، والمنهي عنه في هو شهادة الزور، قال تعالى في موضع آخر : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج :30]، ولقد جاءت السنة بالتحذير من شهادة الزور وقوله، فعن أبي بكر -رضي الله عنه- قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثاً) ؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال : الإشراك بالله، و عقوق الوالدين، و جلس وكان متكئاً، فقال : ألا و قول الزور. قال : فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت». [رواه البخاري ومسلم].
كما بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لا يقبل صوم من يقول الزور ويعمل به فقال : «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [رواه البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم : «لا تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار» [رواه ابن ماجه والحاكم].
كل ما في تلك الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة من وعيد لمن يشهد الزور يوضح خطورة شهادة الزور فلها من الآثار السيئة القاصرة والمتعدية ما لها، فهي تضيع الحقوق، ويظلم بها البريء، ويشيع الكذب، ويختفي الحق، ومن آثارها السيئة على الفرد أنه يفقد البصيرة ويقسو قلبه إلا من تاب وأناب إلى الله، عصم الله مجتمعنا وجميع المجتمعات المسلمة وغيرها من هذه المعصية الكبيرة.
ثم تنتقل الآيات الكريمة إلى وصف عباد الرحمن بصفة من صفات الترك كذلك، وهذه المرة يتركون الإعراض عن التذكرة والموعظة، فقال تعالى : (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًا وَعُمْيَانًا) [الفرقان :73]، ولقد شبه الله المجرمين الفارين من الله المعرضين عن التذكرة بتشبيه بليغ في كتابه الكريم فقال تعالى : (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً * كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ الآخِرَةَ) [المدثر :49 : 54]. فشبههم ربنا بحمر تخشى على نفسها من أن تكون فريسة لأسد أراد أن يفتك بها، فهي تجري بسرعة غريبة، وتفر بشكل همجي لا تدري إلى أين.
وقد توعد ربنا من أعرض عن الذكر والذكرى بضيق الحياة في الدنيا، وبالعمى في الآخرة، وذلك من باب القسط، فهو تعامى عن التذكرة والذكرى في الدنيا، فكان جزاءه العمى في الآخرة، قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) [طه :124 : 127].
وما أكثر الآيات التي حذرت من هذا السلوك السيئ، وهو عدم الاهتمام وعدم المبالاة والإعراض عن الخطاب الإلهي، وقد أخبر ربنا بشدة ظلم من ذكر بآيات ربه ثم أعرض عن تلك التذكرة، فقال تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ) [السجدة :22].
ولقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن هؤلاء المعرضين جزاء لهم، فقال تعالى: (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا) [النجم :29]، وأمر الله رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم بملازمة الذاكرين الطائعين، وعدم متابعة الغافلين الذين أعرضوا عن ذكر الله، فقال تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف :28]. فإن من أعرض عن ذلك الذكر الحكيم، والقول المبين فإنه سوف يحمل القيامة الأوزار والآثام، وسيتعرض لعذاب الله، قال تعالى : (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القِيَامَةِ وِزْرًا) [طه :100]. جعلنا الله من المقبلين عليه، وأعاذنا من أن نكون من المعرضين عنه سبحانه وعن ذكره وآياته.
كان ما ذكر قليل من كثير عن عقوبة الإعراض عن ذكر الله وعن التذكير، تنتقل بنا الآيات إلى آخر تلك الصفات، وهو ما سنعرفه تفصيلا في المقال المقبل إن شاء الله. (يتبع)