الاشتراك في اللغة العربية هو أن اللفظ الواحد يحتمل أكثر من معنى، والارتباط أن المعنى الواحد تعبر عنه الألفاظ المتعددة، والافتراق يعني أن هناك فرقًا بين معنيين للفظين رغم التشابه.
فعلى سبيل المثال، هناك فرق بين الفقير والمسكين رغم التشابه الظاهر، ورغم استخدامنا اللفظين كمترادفين في كثير من الأحوال. فليس من المعقول أن يقول الله سبحانه وتعالى ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة : 60]، ويكون الفقير هو المسكين، والمسكين هو الفقير، لابد أن يكون هناك فرق. فكأن الفقير هو المعدِم، كالذي يملك دَخْلَ فردين وهو يعول عشرة أفراد، فالفجوة كبيرة، والمسكين أحسن حالاً كالذي معه دخل سبعة أفراد ويحتاج لكفاية عشرة.
هنا شيء لطيف، يقولون: إذا اللفظان في الذكر قد اجتمعا، فإنهما قد افترقا في المعنى. وإذا في الذكر افترقا، ففي المعنى قد اجتمعا.
الكذب والبهتان والافتراء، ما الفرق؟ إذا افترقت هذه الألفاظ اشتركت في التعبير عن معنى الكذب، وإن كانت بدرجات وصور مختلفة. فالكذب حكاية عن الواقع بما هو غير الواقع؛ أي بالتغيير فيه. أما الافتراء فحكاية عن أمر لم يحدث من الأصل؛ أي يقوم المفتري بتأليف القصة. أما البهتان ففيه إيقاع الإيذاء على المكذوب عليه. فإذا ذكرت هذه الألفاظ متلازمة، تبين الفرق واضحًا، وإذا ذكرت كل واحدة على حدة فتعطي معنى الكذب .. وهكذا.
وهذه الجزئية يمكن أن نضعها في الخصائص اللغوية، فهناك الاشتراك، والارتباط، والفروق.. وقد ألف القدماء في هذا الباب كتبًا تحت عنوان "الفروق"، وهو مبحث يحتاج إلى دراسة متعمقة للمضي في رحلة التعرف على العقل التراثي المسلم.
اللفظ بين الحقيقة والمجاز:
أيضًا من خصائص اللفظ العربي الحقيقة والمجاز. عندما أقول: رأيت أسدًا للحيوان المفترس، فهذا حقيقة، وإذا قلت: رأيت أسدًا لأعني شخصًا شجاعًا فهذا يعتبر مجازًا. إذًا الاستعمال يؤثر في اللفظ. وهذا باب واسع تـتبين بعض معالمه في مواضع تالية.
هذا عن خصائص اللفظ في اللغة العربية بشكل رمزي، لكنها في الواقع قصة كبيرة تحتاج إلى اجتهاد من الباحث المعني بمطالعة التراث.
التركيب: الجملة العربية
لابد أن ندرس التراكيب اللغوية. فالجملة العربية مكونَّة من ركنين ظاهرين وركن ثالث خفي:
مثال: المؤمنون مفلحون، وقد أفلح المؤمنون. فقضية الفلاح أسندت إلى (المؤمنين). المؤمنون مسند إليه، أو موضوع أتحدث عنه، والمسند (مفلحون، وقد أفلح). وفي النهاية عندي ثلاثة عناصر: اثنان ظاهران وهما المسند والمسند إليه، وثالث معنوي وهو عملية الإسناد نفسها.
النحو:
العرب لهم الفضل في نطق هذه الجملة بطريقة صحيحة منضبطة على وجوه الإعراب؛ أي علم النحو. والنحو أو الإعراب هو الضابط الذي يمنح الجملة معناها، وهو قادم من المعنى أيضًا، كما قالوا: "الإعراب وليد المعنى". فالمعنى يتخلق في الذهن كتصور، ثم يريد المرء أن يخرجه في كلام، فتبدأ عملية "التعبير" التي لابد أن تتكون على أرضية اللغة.
فتبدأ بإدراك حروف البناء (حروف المباني) ومنها تكوِّن اللفظ بالصرف (تطوير المشتقات من الجذر اللغوي الثلاثي غالبًا)، ثم تتحرى حال اللفظ في علاقته بسائر الألفاظ (الاشتراك والارتباط والافتراق و...) وتتحرى عادة الاستعمال (الحقيقة والمجاز، التقديم والتأخير...) ووظائف الألفاظ (المعاني والدلالات)، ثم تركيب الجملة بضم المسند إلى المسند إليه. وهذا التركيب أو الضم الأخير ليس مجرد رص كلمات إلى جوار بعضها البعض، فقد لا تؤدي المعنى المطلوب.
ففي المثال السابق لا يصح أن نقول: مفلحون المؤمنون، ولا أن نقول: قد المؤمنون أفلح. فهذه تراكيب غير صحيحة، والسبب عدم تحري قواعد النحو التي "تُعرب" عن المعنى وتخرجه واضحًا عند تجميع الألفاظ، على نحو منضبط.
وهناك قواعد للإعراب وأدوات وآليات يسهل التدرب عليها، وهي تستوعب كافة أحوال الجملة العربية، وأحوال الألفاظ (الحرف والفعل والاسم) فيها: كالفعل متى يكون مرفوعًا؟ ومتى يكون منصوبًا أو مجزومًا؟ فهناك أدوات ناصبة، وأدوات جازمة، وهي أدوات تمنح الفعل شكلاً من النصب والجزم كما تمنحه معنًى من النفي أو الأمر أو النهي أو التعليل...الخ.
كذلك الاسم يقع بين الرفع والنصب والجر حسب حالته في الجملة وما يتقدمه من أدوات وكلمات. فهو مرفوع على أنه مبتدأ، أو اسم لـ"كان وأخواتها" التي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، أو خبر لــ"إنَّ وأخواتها" التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر. وما إلى ذلك.