قال الإمام النووي رحمه الله : " واعلم أن الصواب ما كان عليه السلف من السكون حال السير مع الجنازة ؛ فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غيرهما ؛ لأنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة ، وهو المطلوب في الحال " ؛ ذلك أن الحكمة في تشييع الجنازة الذي طلبه الشرع وحث عليه هي الاتعاظ بالموت واستحضار جلاله الآخذ بالنفوس المذكر بيوم القيامة يوم الحساب والجزاء ؛ قال تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } [آل عمران30 ] .
وتحصيلا لهذه الحكمة السامية طلب الشارع الصمت من المشيعين حتى تخلص العظة إلى النفوس ويقوى التذكر في القلب ، ومن ذلك ما ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام : " إن الله يحب الصمت عند ثلاث : عند تلاوة القرآن ، وعند الزحف ، وعند الجنازة "(1) .
ومن هنا كُرِهَ رفع الصوت في تشييع الجنازة كراهةً تنـزيهية ولو بالذكر وقراءة القرآن وطلب الاستغفار للميت ، فإن أراد المشيع أن يذكر الله فليذكره في نفسه ؛ اتباعا للوارد ، ووقوفا مع السيرة العطرة ، فخير الهدى هدى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
____________________________________
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ( 5 / 213 ح 5130 ) عن زيد بن أرقم .