موقع «لا تفعل» من الدين هو موقع النهي، وموقع «افعل» هو موقع الأمر، والمنهيات محصورة قليلة يسهل على الإنسان البعد عنها، وكان الابتلاء بالنهي عن أكل محظور عَيَّنه الله هو أول امتحان امتحن الله به البشرية متمثلة في آدم عليه السلام وحواء، والعصيان بالأكل من المحظور هو أول معصية في حق الله اقترفها آدم عليه السلام وحواء، وقصة الابتلاء الأولى ذكرها الله في أكثر من موضع منها قوله تعالى : وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾([1]).
فيتضح لنا من هذه القصة مدى رحمة الله بآدم؛ إذ حرم عليه شجرة واحدة، وأباح له باقي شجر الجنة، وبهذا المعنى الجميل فهو رحيم بالبشرية من ذريته؛ إذ جعل المحرم عليهم قليلا محصورًا؛ حتى يسهل عليهم الامتثال لشرعه، وأباح لهم ما بقي على الأرض حلالا طيبا فيقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾([2]). فالكون مائدة الرحمن خلقه لغرض الإنسان منها، وخلق الإنسان لعبادته سبحانه وحده، ويسر عليه تلك العبادة بقلة المنهيات والمحظورات، كما ألزمه الله سبحانه وتعالى باجتنابها، وضمن له المغفرة إذا تاب لله بعد الوقوع فيها، ومما يؤكد إلزام الله للمسلم باجتناب المنهيات قول النبي صلي الله عليه وسلم : « ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه »([3]). هذا هو موقع «لا تفعل» في دين الإسلام، وفقنا الله لطاعته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
____________________________________________________
([3]) أخرجه أحمد في مسنده، ج2 ص 428، والبخاري في صحيحه، ج6 ص 3658، ومسلم في صحيحه، ج2 ص 975.