طباعة

ما هو ذكـــر الله، هل يجــــوز أن نذكر الله باسم مفـــرد من أسمائــــه فقط، دون أن نكون جملـــــة بمعنى أن نقول : «الله الله» أو «الرحمــــن الرحمــن»؟

الذكر هو ضد النسيان، وهو معناه في اللغة، وقد ذكر صاحب مختار الصحاح ذلك، فقال: « الذِّكْرُ، والذِّكْرى، والذُّكْرةُ : ضد النسيان، تقول : ذكرته ذكرى غير مجراة، واجعله منك على ذُكْرٍ، وذِكْرٍ، بضم الذال وكسرها، بمعنى، والذِّكْرُ الصيت والثناء، قال الله تعالى : «ص والقرآن ذي الذكر» أي ذي الشرف. وذَكَرَهُ بعد النسيان، وذكره بلسانه، وبقلبه يذكره ذِكْراً وذُكْرةً وذِكْرَى أيضا. وتَذَكَّرَ الشيء وأذْكَرَهُ غيره وذَكَّرَهُ بمعنى، وادَّكَرَ بعد أمة، أي ذكره بعد نسيان، وأصله اذْتَكَرَ فأدغم والتَّذْكِرةُ ما تُسْتَذْكَرُ به الحاجة»([1]).

    هذا بخصوص معنى الذكر مطلقًا، وذكر الله يستعمل في الشرع بمعان أعم، مثل خطبة الجمعة، فقد سماها الله ذكرًا، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾([2])، وسمى الله الحج ذكرًا، قال تعالى : ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ  ﴾([3])، وسمى ربنا الصلاة ذكرًا، قال سبحانه : ﴿  فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾([4])، وسمى الله القرآن ذكرًا، قال تعالى : ﴿ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ  ﴾([5]).

      

فكل تلك العبادات تسمى ذكرًا باعتبار أن المسلم يذكر اسم الله فيها، أما المقصود من ذكر الله عز وجل في حالة مغايرته لتلك المعاني، فهو ما يفعله المسلم من ذكر لله باللسان والقلب خارج كل تلك العبادات المذكورة، فقد فرق الله بينه وبين الصلاة حيث قال : ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾([6]). وذكر الله قد يحدث منفردًا، وفي جماعة، وقد يحدث سرًا وجهرًا، وقد يعد على الأنامل، أو على السبحة، كما بينا في إجابات الأسئلة السابقة، وذكر الله قد يكون بالمأثور أو بغير المأثور، فيجوز إنشاء ذكر، والضابط في ذلك أن يشتمل الذكر على معان لا تتعارض مع الدين.

   

والذكر بالاسم المفرد لا شيء فيه، ولا دليل على حرمته، بل جاء الدليل على مشروعيته، والمخـالف قد يعترض على ذكر الله باسمه المفرد لأسباب منها أن يقوله إنه غير مأثور عن النبي صلي الله عليه وسلم، وقد بينا ذلك في إجابة السؤال رقم 51 والخاص بمسألة الترك، ونعيد التركيز على حديث ذكرناه في تلك الفتوى؛ لدلالته على جواز إنشاء الذكر حتى في الصلاة.

   

ذكر الحـافظ ابن حجر حديث رفاعة بن رافع الزرقي، قال : كنا يوما نصلى وراء النبي صلي الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال : « سمع الله لمن حمده ». قال رجل وراءه ربنا ولك الحمـد، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلمـا انصرف قال « من المتكلم » . قال : أنا. قال : « رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها، أيهم يكتبها أول »([7]). وعقبه بقوله : «واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور»([8]). فإن كان هذا الحال في إنشاء ذكر غير مأثور في الصلاة، فالأمر خارج الصلاة أوسع من باب أولى.

 

وقد يكون الاعتراض أن ذكر الله باسمه المفرد ليس فيه معنى التعظيم، ولابد من إتمام جملة مفيدة حتى يفيد معنى التعظيم، والجواب أن ذكر اسم الله مفردًا فيه معنى التعظيم، وهذا ما فهمه العلماء فها هو إمام الأئمة أبو حنيفة رضي الله عنه يقرر ذلك في مسألة هل يحدث الشروع في الصلاة بمجرد ذكر اسم الله المفرد «الله»، فقد ذكر صاحب البدائع ما نصه : «ولأبي حنيفة أن النص معلول بمعنى التعظيم, وأنه يحصل بالاسم المجرد, والدليل عليه أنه يصير شارعا بقوله : لا إله إلا الله, والشروع إنما يحصل بقوله : «الله» لا بالنفي»([9]). انظر فالإمام أبو حنيفة يرى أن اسم الله المجرد «الله» يحصل به التعظيم بغير اشتراط كونه في جملة مفيدة.

 

هذا رد على المخالف إذا زعم أنه غير مأثور، أو زعم أنه لا يحصل منه معنى التعظيم، وبالإضافة إلى هذه الردود فقد وردت نصوص في القرآن والسنة تفيد جواز قول : «الله» هكذا مفردة، وذكر اسم الله، منها : قوله تعالى : ﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾([10])، وقال سبحانه : ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا  ﴾([11]).

ودلت الأحاديث النبوية على أن ذكر الله باسمه المفرد سيكون موجودًا ممدوحًا قبل قيام الساعة، وأن ذهابه من آخر الأشياء العلامات، فعن أنس أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله »([12]) وفي رواية أخرى : « لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله». قال : «كان سلمان في عصابة يذكرون الله فمر النبي صلي الله عليه وسلم فكفوا، فقال ما كنتم تقولون ؟ قلنا نذكر الله الله. قال : إني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها، ثم قال : الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم»([13]).

 

والمسلم لا يحتاج لدليل حتى يقول «الله» هكذا مجردة، طالما أنه يشعر بمعاني التعظيم والأنس والذكر، وطالما أن الذكر باسم الله المجرد لا يتعارض مع أصول الاعتقاد ومبادئ الإسلام، وطالما أنه يقر بأن الذكر بالمأثور عن النبي صلي الله عليه وسلم أفضل عامة، ولكن ما ذكرناه من أدلة نقلية وعقلية وفهم العلماء، مما قد يجعل المخالف يترك الذاكرون يذكرون الله حيثما وجدوا قلوبهم، والله تعالى أعلى وأعلم

________________________________________________________

 

([1]) مختار الصحاح، ج1 ص 93.

([2]) الجمعة : 9.

([3]) البقرة : 203.

([4]) البقرة : 239.

([5]) آل عمران : 58.

([6]) العنكبوت : 45.

([7]) أخرجه أحمد في مسنده، ج4 ص 340، والبخاري في صحيحه، ج1 ص 275، وأبو داود في سننه، ج1 ص 204، والنسائي في سننه، ج1 ص 222، ومالك في الموطأ، ج1 ص 211، والبيهقي في الكبرى، ج2 ص 95.

([8]) فتح الباري، لابن حجر، ج2 ص 287.

([9]) بدائع الصنائع، للكاساني، ج1 ص 131.

([10]) الأنعام : 91.

([11]) المزمل : 8.

([12]) أخرجه أحمد في مسنده، ج3 ص 107، ومسلم في صحيحه، ج1 ص 131، وابن حبان في صحيحه، ج15 ص263، والحاكم في المستدرك، ج4 ص 539، وابن أبي شيبة في مصنفه، ج7 ص 452.

([13]) أخرجه أحمد في الزهد عن ثابت.

عدد الزيارات 26586 مرة
قيم الموضوع
(2 أصوات)