خلال إجابته على سؤالٍ في حديثٍ بعد صلاة الجمعة عمَّا ينبغي على المسلم فِعلُه تجاه الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! .. قال فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة: إننا قد قصرنا في عرض ديننا بصورةٍ لافتةٍ للنظر، وهذا يستلزم منا مجهودا علميا ودعويا يتجاوز ما نحن عليه الآن بصورة جذرية، نحتاج إلى المزيد من إرسال البعثات من الأزهر الشريف للدراسة في الغرب، وتقبل بعثات الآخرين إلينا، وهو ما شَرعت فيه جامعة الأزهر بالفعل.
وذكر فضيلته أنه عندما قام أستاذ الأدب في جامعة أكسفورد الدكتور أنس الشيخ علي بحصر الروايات التي تحاول النيل من شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو الشريعة الإسلامية أو تسب الإسلام وتاريخه أو القرآن أو الأحكام؛ وذلك ابتداء من سنة 1970م وحتى سنة 1994م فيما طبع في لندن فقط، وجد أن عدد الروايات المسيئة وصل إلى 1760 رواية تسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واستمر الحال إلى العام الماضي 2014م حيث وصلت عدد الروايات إلى قرابة 3600 رواية.
وتابع فضيلته: إذًا فهيا بنا نرى فعلَ الله، وفعلُ الله أن جعل ما يزيد على مليار إنسان يلهجون بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويعظّمون شأنه على غير عادة البشر مع أحد منهم، ثم سلّط بعض السفهاء في خلال خمسةٍ وأربعين عاما أن يشتموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذًا فلله في ذلك حكمة؛ وهي أنه صلى الله عليه وآله وسلم يترقى عند ربه كل لحظة إلى مراقي لا تنتهي، فكأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يجازي نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بكل أنواع الخير والفضل والزيادة؛ بعضها بالدعاء، وبعضها بالصلاة عليه، وبعضها بظلم هؤلاء السفلة لحضرته صلى الله عليه وآله وسلم.
وتعجب فضيلته من أن 3600 رواية لم يبلغنا منها غير القليل ولم نسمع عنها؛ فما الحكمة في أن يُعلِمك اللهُ بذلك الآن؟! .. واستطرد فضيلته قائلا: قد تكون الحكمة في ذلك أن الله يريد أن ينبهنا إلى تقصيرنا في حق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لَعلَّنا نتدارك خطأنا وتقصيرنا، وإلى هذا أرشدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زمن الفتن؛ فقال: «الزم بيتك»، وقال: «وابْكِ على خطيئتك»، وقال: «ولْتكن عبدَ الله المقتول، ولا تكن عبدَ الله القاتل»، وقال: «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تموت وأنت عاضٌّ على جِذل شجرة».
ثم أعطى فضيلته حلا عمليا لمجابهة هذه الإساءات فقال: يجب علينا أن نعمل على تفعيل دور الخريجين من كليات اللغات والترجمة بالأزهر للعمل بالمراكز الإسلامية بالخارج، مع إتاحة الفرصة لهم للمعيشة في تلك البلاد بصورة مستمرة، ولابد من إنشاء مرصدٍ تكون مهمته الرصد والتحليل لكل ما يُكتب ويُنشر ويُذاع عن الإسلام في الخارج باللغات المختلفة، ومناقشة ذلك كله، وتجهيز البيان الواضح بإزاء تلك القضايا، وعدم ترك الأمور تتراكم حتى تصل إلى حد الانفجار، كما نريد بصورة مستمرة عمل مؤتمرات الحوار، والتي يدعى فيها رجال الصحافة والإعلام في كل مكان، وتتم المناقشات حول المصطلحات والصور الذهنية التي تتعسف مع الإسلام والمسلمين فيما يسمى بـ"الإسلام فوبيا"، كما أنه يجب علينا وضع مناهج متخصصة ودراسات عليا لدراسة الخلاف الحضاري بين الشرق والغرب، وطرحها للحوار مع كافة المؤسسات الفكرية والإعلامية والجامعية والثقافية، وعدم حصر ذلك في النطاق الأكاديمي، وكذلك يجب علينا تفعيل الاتفاقات القائمة بين جامعة الأزهر وسائر الجامعات والمؤسسات العالمية، وهي كثيرة والحمد لله، ولكن تحتاج إلى مزيد من العمل والجهد، ويجب كذلك إنشاء مراكز للترجمة والنشر من العربية وإليها للاطلاع على خلاصات التراث الإسلامي ومكونات العقل المسلم، وعلى كيفية الاستفادة من التراث الإنساني والتواصل بيننا وبين العصر، خاصة في مجال البحث العلمي، وبيان أخلاقيات هذا البحث ونظر الإسلام إليه، وكيفية نقل التكنولوجيا اختراعا وإبداعا، وليس استهلاكا وتقليدا، مع الحفاظ في نفس الوقت على الهوية، وهي أمور تحتاج إلى مزيد من التفكير، وإلى مزيد من تطوير القوانين، وإلى مزيد من المشاركة الفعالة.