الرزاق
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه، وَمَنْ والاه.
مع اسم من أسماء الله تعالى، ﴿وَلِلهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180].
نعيش هذه اللحظات مع اسمه: (الرزاق).
والله سبحانه وتعالى هو (الرازق)، و (الرازق) اسم فاعل، و (الرزاق) صيغة مبالغة.
فهو الذي عنه الرزق أصلًا، فالرزق كالأجل، ليس بيد أحد، وليس بسعي أحد؛ ولكن الله سبحانه وتعالى يبسط الرزق لِمَنْ يشاء ويقدر، أي يضيق.
فنرى بعضهم قد وفقه الله سبحانه وتعالى بقليل العمل، ونرى بعضهم قد قدر عليه رزقه مع كثير العمل.
وهذا التوكل لا يمنع السعي، فإن الرازق والرزاق سبحانه وتعالى، يريد منا قلوبنا؛ لكنه يأمرنا في أعمالنا، قلوبنا تتعلق به، وتتوكل عليه، وترجو منه الخير كله، وتدعوه:
اللهم ارزقنا رزقًا واسعًا، وقلبًا خاشعًا، ونفسًا قانعة، وعينًا دامعة، وشفاء من كل داء.
لكن: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 105].
لكن: «إن من الذنوب ذنوبًا لا يكفرها إلا السعي على الرزق». كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم.
لكن لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلـم المسجد، فوجد أحدهم ينقطع للعبادة، قال: «من أين يأكل هذا؟». قالوا: كلنا يعطيه يا رسول الله، قال: «كلكم أفضل منه».
في حين أنه أجاز التفرغ للعلم، فقال عندما رأى أحدهم، أو عندما جاءه أحدهم يشكو أخاه، أنه ينقطع إلى العلم، وهو يتكفل بإطعامه وبشأنه. قال: «لعلك تُرْزَقُ بأخيك».
فأجاز ما يمكن أن نسميه في لغة عصرنا بالمنحة العلمية؛ ولكنه لم يجز التفرغ للعبادة، إلا لِمَنْ كان قادرًا أن يكفل نفسه، وعنده من المال ما يبلغه حاجته.
(الرزاق) فالله سبحانه وتعالى دائم الرزق، لا يرزق مرة واحدة، ثم يترك الإنسان لحوله وقوته، بل إنه يرزق باستمرار.
(الرزاق) كلمة عظيمة، تجعلنا نتعلق بصفة الفعل هذه، فالرزق من صفات الأفعال، وصفات الأفعال معناها: أن الله سبحانه وتعالى لو فعلها، فهو الكريم الجواد، ولو لم يفعلها فلا شيء عليه، مثل: الرحمن. كذلك إذا رحم الله سبحانه وتعالى عباده، فَمِنْ فضله، وإن حاسبهم وآخذهم، فَمِنْ عدله.
والرزق هنا، إذا بسطه سبحانه وتعالى، فهذا أمره، وإذا قدره، وضيق عليه، فهذا من حكمته.
فكلمة (الرزاق) يسمونها: من صفات الأفعال؛ بخلاف صفات الذات، كالقدير، كالعليم، كالسميع، كالبصير، فهذه صفات الذات، نفيها يستلزم نقصًا؛ ولكن صفات الأفعال: نفيها لا يستلزم نقصًا.
ولذلك ينبغي علينا هنا: التوكل والرضا بأمر الله سبحانه وتعالى.
اسم من الأسماء الذي لا بد عليك أن تعلق قلبك به، وَمَنْ عرف أن الرزق بيد الله؛ فإنه لا يسأل من أحد، وَمَنْ سأل الناس، جاءت مسألته نكتة سوداء في وجهه يوم القيامة، ولا يخاف من أحد من البشر، ولا يمنعه أحد من البشر؛ خوفًا من تضييق الرزق عليه؛ لأن الرزق بيد الله، أن يقول كلمة الحق.
كلمة: (الرزاق)، والتعلق بها، تجعل الإنسان إنسانًا، وتجعله عزيزًا بين قومه، حتى لو قَلَّ رزقه.